فصل: المسألة الثالثة: (في قراءة قوله: {إن تَكُنْ}):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فهذه حقيقته، لا ما قال في الكشاف وتبعه عليه البيضاوي.
ولما ندبهم إلى القتال، أعلمهم بأنهم منصورون فيه إن لازموا آلة النصر، فقال اسئنافًا جوابًا لمن قال: ما عاقبتهم إذا رغبوا فبادروا إلى ذلك؟: {إن يكن} ولما كانت لذة الخطاب تثير الهمم وتبعث العزائم وتوجب غاية الوثوق بالوعد، عدل عن الغيبة فقال: {منكم عشرون} أي رجلًا: {صابرون} أي الصبر المتقدم {يغلبوا مائتين} أي من الكفار، والآية من الوعد الصادق الذي حققه وقائع الصحابة- رضى الله عنهم- م {وإن يكن منكم مائة} أي صابرة {يغلبوا ألفًا} أي كائنين {من الذين كفروا} فالآية من الاحتباك: أثبت في الأول وصف الصبر دليلًا على حذفه ثانيًا، وفي الثاني الكفر دليلًا على حذفه أولًا؛ ولعل ما أوجبه عليهم من هذه المصابرة علة للأمر بالتحريض، أي حرضهم لأني أعنت كلًا منهم على عشرة، فلا عذر لهم في التواني؛ وعلل علوهم عليهم وغلبتهم لعن على هذا الوجه بقوله: {بأنهم} أي هذا الذي أوجبته ووعدت بالنصر عنده بسبب أنهم، أي الكفار {قوم لايفقهون} أي ليس لهم فقه يعلمون به علم الحرب الذي دربه أهل الإيمان وإن كنتم ترونهم أقوياء الأبدان فيهم كفاية للقيام بما ينوبهم من أمر الدنيا لأنهم أبدان بغير معان، كما أن الدنيا كذلك صورة بلا روح، لأنهم لم يبنوا مصادمتهم على تلك الدعائم الخمس التي قدمتها لكم وألهمتكم إياها في بدر، فمن لم يجمعها لم يفقه الحرب، لأن الجيش إن لم يكن له رئيس يرجع إليه لم يفلح، وذلك الرئيس إن لم يكن أمره مستندًا إلى ملك الملوك كان قلبه ضعيفًا، وعزمه- وإن كثرت جموعه- مضطربًا، فإنهم يكونون صورًا لا معاني لها، والصور منفعله لا فعالة، والمعاني هي الفعالة، والمعتمد على الله صورته مقترنة بالمعنى، فأقل ما يكون في مقابلة اثنين من أعدائه كما حط عليه الأمر في الجهاد، ولعل هذا هو السر في انتصار الخوارج- من أتباع شبيب وأنظاره على قلتهم- على الجيوش التي كانوا يلقونها عن ملوك زمانهم على كثرتهم، فإن الخوارج معتقدون أن قتالهم لله مستندين في هذا الاعتقاد إلى ظلم أولئك الملوك وخروجهم عن أمر الله، والذين يلقونهم عن أولئك الملوك وإن اعتقدوا أنهم أهل طاعة لطاعتهم الإمام الواجب طاعته، لكنهم يعلمون أن استناد إمامهم إلى الله ضعيف لمخالفته لمنهاج الاستقامة، وذلك الرئيس نفسه معتقد ذلك وأن ولايته مفسدة، وأن تحريم النبي صلى الله عليه وسلم لقتاله إنما هو درء لأعظم المفسدتين، فصار استناد الخوارج إلى الملك الملوك أعظم من استناد أولئك، ولهذا نشأ عن استناد الخوارج الزهد الذي هو أعظم أسباب النصر، ونشأ عن استناد أولئك الملوك الإخلاد إلى الدنيا الذي هو أعظم الموجبات للخذلان، مصداق ذلك أنهم لما خرجوا على علي- رضى الله عنهم- فسار فيهم بسنة الله من اللطف بهم وتقديم وعظهم والإعذار إليهم وردهم إلى الله فلما لم يقبلوا قصدهم في ساعة، قال له بعض من كان يعتني بالنجوم: إنها ساعة نحس، أن سار فيها حذل، فقال: سيروا فيها فإنه ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم منجمون، فلما لقي الخوارج لم يواقفوه حلب ناقة ولا أفلت منهم أحد ولا قتل من جماعته إنسان؛ وفهم الإيجاب في قوله تعالى: {إن يكن منكم عشرون}- الآية وأن الخبر فيه بمعنى الأمر من قوله: {الآن خفف الله} أي الملك الذي له الغنى المطلق صفات الكمال {عنكم} أي رحمة لكم ورفقًا بكم {وعلم} أي قبل التخفيف وعده {أن فيكم ضعفًا} أي في العَدد والعُدد، ولكنه أوجب عليكم ذلك ابتلاء، فبعد التخفيف علم ضعفهم واقعًا وقبله علم أنه سيقع. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم بين أنه تعالى وإن كان يكفيك بنصره وبنصر المؤمنين، فليس من الواجب أن تتكل على ذلك إلا بشرط أن تحرض المؤمنين على القتال فإنه تعالى إنما يكفيك بالكفاية بشرط أن يحصل منهم بذل النفس والمال في المجاهدة.
فقال: {يا أيها النبي حَرّضِ المؤمنين عَلَى القتال} والتحريض في اللغة كالتحضيض وهو الحث على الشيء، وذكر الزجاج في اشتقاقه وجهًا آخر بعيدًا، فقال: التحريض في اللغة أن يحث الإنسان غيره على شيء حثًا يعلم منه أنه إن تخلف عنه كان حارضًا، والحارض الذي قارب الهلاك، أشار بهذا إلى أن المؤمنين لو تخلفوا عن القتال بعد حث النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا حارضين، أي هالكين.
فعنده التحريض مشتق من لفظ الحارض والحرض.
ثم قال: {إِن يَكُن مّنكُمْ عِشْرُونَ صابرون يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ} وليس المراد منه الخبر بل المراد الأمر كأنه قال: {إِن يَكُن مّنكُمْ عِشْرُونَ} فليصبروا وليجتهدوا في القتال حتى {يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ} والذي يدل على أنه ليس المراد من هذا الكلام الخبر وجوه: الأول: لو كان المراد منه الخبر، لزم أن يقال: إنه لم يغلب قط مائتان من الكفار عشرين من المؤمنين، ومعلوم أنه باطل.
الثاني: أنه قال: {الئن خَفَّفَ الله عَنكُمْ} [الأنفال: 66] والنسخ أليق بالأمر منه بالخبر.
الثالث: قوله من بعد: {والله مَعَ الصابرين} [الأنفال: 66] وذلك ترغيبًا في الثبات على الجهاد، فثبت أن المراد من هذا الكلام هو الأمر وإن كان واردًا بلفظ الخبر، وهو كقوله تعالى: {والوالدات يُرْضِعْنَ أولادهن حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 228] وفيه مسائل:

.المسألة الأولى: قوله: {إِن يَكُن مّنكُمْ عِشْرُونَ صابرون}:

يدل على أنه تعالى ما أوجب هذا الحكم إلا بشرط كونه صابرًا قاهرًا على ذلك، وإنما يحصل هذا الشرط عند حصول أشياء؛ منها: أن يكون شديد الأعضاء قويًا جلدًا، ومنها: أن يكون قوي القلب شجاعًا غير جبان، ومنها: أن يكون غير منحرف إلا لقتال أو متحيزًا إلى فئة، فإن الله استثنى هاتين الحالتين في الآيات المتقدمة فعند حصول هذه الشرائط كان يجب على الواحد أن يثبت للعشرة.
واعلم أن هذا التكليف إنما حسن لأنه مسبوق بقوله تعالى: {حَسْبُكَ الله وَمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين} فلما وعد المؤمنين بالكفاية والنصر كان هذا التكليف سهلًا لأن من تكفل الله بنصره فإن أهل العالم لا يقدرون على إيذائه.

.المسألة الثانية: قوله: {إِن يَكُن مّنكُمْ عِشْرُونَ صابرون يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مّنكُمْ مّاْئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مّنَ الذين كَفَرُواْ}:

حاصله وجوب ثبات الواحد في مقابلة العشرة، فما الفائدة في العدول عن هذه اللفظة الوجيزة إلى تلك الكلمات الطويلة؟
وجوابه أن هذا الكلام إنما ورد على وفق الواقعة، وكان رسول الله يبعث السرايا، والغالب أن تلك السرايا ما كان ينتقص عددها عن العشرين وما كانت تزيد على المائة، فلهذا المعنى ذكر الله هذين العددين.

.المسألة الثالثة: [في قراءة قوله: {إن تَكُنْ}]:

قرأ نافع وابن كثير وابن عامر {إن تَكُنْ} بالتاء، وكذلك الذي بعده {وَأَنْ تَكُنْ مّنكُمْ مّاْئَةٌ صَابِرَةٌ} وقرأ أبو عمرو الأول بالياء والثاني بالتاء والباقون بالياء فيهما.

.المسألة الرابعة: [في بيان العلة في هذه الغلبة]:

أنه تعالى بين العلة في هذه الغلبة، وهو قوله: {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} وتقرير هذا الكلام من وجوه:
الوجه الأول: أن من لا يؤمن بالله ولا يؤمن بالمعاد، فإن غاية السعادة والبهجة عنده ليست إلا هذه الحياة الدنيوية.
ومن كان هذا معتقده فإنه يشح بهذه الحياة ولا يعرضها للزوال، أما من اعتقد أنه لا سعادة في هذه الحياة وأن السعادة لا تحصل إلا في الدار الآخرة فإنه لا يبالي بهذه الحياة الدنيا ولا يلتفت إليها ولا يقيم لها وزنًا، فيقدم على الجهاد بقلب قوي وعزم صحيح، ومتى كان الأمر كذلك، كان الواحد من هذا الباب يقاوم العدد الكثير من الباب الأول.
الوجه الثاني: أن الكفار إنما يعولون على قوتهم وشوكتهم، والمسلمون يستعينون بربهم بالدعاء والتضرع، ومن كان كذلك كان النصر والظفر به أليق وأولى.
الوجه الثالث: وهو وجه لا يعرفه إلا أصحاب الرياضات والمكاشفات، وهو أن كل قلب اختص بالعلم والمعرفة كان صاحبه مهيبًا عند الخلق، ولذلك إذا حضر الرجل العالم عند عالم من الناس الأقوياء الجهال الأشداء، فإن أولئك الأقوياء الأشداء الجهال يهابون ذلك العالم ويحترمونه ويخدمونه، بل نقول: إن السباع القوية إذا رأت الآدمي هابته وانحرفت عنه، وما ذاك إلا أن الآدمي بسبب ما فيه من نور العقل يكون مهيبًا، وأيضًا الرجل الحكيم إذا استولى على قلبه نور معرفة الله تعالى، فإنه تقوى أعضاؤه وتشتد جوارحه، وربما قوي عند ظهور التجلي في قلبه على أعمال يعجز عنها قبل ذلك الوقت.
إذا عرفت هذا فالمؤمن إذا أقدم على الجهاد فكأنه بذل نفسه وماله في طلب رضوان الله.
فكان في هذه الحالة كالمشاهد لنور جلال الله فيقوى قلبه وتكمل روحه ويقدر على ما لا يقدر غيره عليه، فهذه أحوال من باب المكاشفات تدل على أن المؤمن يجب أن يكون أقوى قوة من الكافر فإن لم يحصل فذاك لأن ظهور هذا التجلي لا يحصل إلا نادرًا وللفرد بعد الفرد. والله أعلم. اهـ.

.قال السمرقندي:

{يا أيها النبي حَرّضِ المؤمنين عَلَى القتال} يعني حثَّهم على قتال الكفار.
{إِن يَكُن مّنكُمْ عِشْرُونَ صابرون}، يعني محتسبين في الجهاد، {يَغْلِبُواْ أَلْفًا مّنَ الذين كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} أمر الله تعالى.
وروى ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا ألفًا يوم بدر؛ جعل على كل رجل منهم قتال عشرة، فرفعوا أصواتهم بالدعاء فضجوا، فجعل على كل رجل قتال رجلين تخفيفًا من الله، وهو قوله: {الآن خَفَّفَ الله عَنكُمْ}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرَّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِائَتَيْنِ وَإن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُواْ أَلفًا}
يعين يقاتلوا ألفًا قال مجاهد: وهذا يوم بدر جعل على كل رجل من المسلمين قتال عشرة من المشركين فشق ذلك عليهم فنسخ بقوله تعالى: {الأَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُم}.
وقال ابن بحر: معناه أن الله تعالى ينصر كل رجل من المسلمين على عشرة من المشركين، وقد مضى تفسير هاتين الآيتين من قبل. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال} يعني حثهم على قتال عدوهم.
والتحريض في اللغة: الحث على الشيء بكثرة التزين وتسهيل الخطب فيه كأنه في الأصل إزالة الحرض وهو الهلاك {إن يكن منكم عشرون} يعني رجلًا {صابرون} يعني عند اللقاء محتسبين أنفسهم {يغلبوا مائتين} يعني من عدوهم وظاهر لفظ الآية خبر ومعناه الأمر فكأنه تعالى قال إن يكن منكم عشرون فليصبروا وليجتهدوا في قتال عدوهم حتى يغلبوا مائتين ويدل على أن المراد بهذا الخبر الأمر قوله: {الآن خفف الله عنكم} لأن النسخ لا يدخل على الإخبار إنما يدخل على الأمر فدل ذلك على أن الله سبحانه وتعالى أوجب أولًا على المؤمنين هذا الحكم وإنما حسن هذا التكليف لأن الله وعدهم بالنصر ومن تكفل الله له بالنصر سهل عليه الثبات مع الأعداء {وإن يكن منكم مائة} يعني صابرة {يغلبوا ألفًا من الذين كفروا} فحاصله وجوب ثبات الواحد من المؤمنين في مقابلة العشرة من الكفار، ذلك {بأنهم قوم لا يفقهون} يعني: أن المشركين لا يقاتلون لطلب ثواب وخوف عقاب إنما يقاتلون حمية فإذا صدقتموهم في القتال فإنهم لا يثبتون معكم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{يا أيها النبى} بعد ما بين كفايتَه إياهم بالنصر والإمدادِ أُمر عليه الصلاة والسلام بترتيب مبادي نصرِه وإمدادِه وتكريرُ الخطاب على الوجه على المذكور لإظهار كمالِ الاعتناءِ بشأن المأمور به {حَرّضِ المؤمنين عَلَى القتال} أي بالِغْ في حثّهم عليه وترغيبِهم فيه بكل ما أمكن من الأمور المرغّبة التي أعظمُها تذكيرُ وعدِه تعالى بالنصر وحُكمُه بكفايته تعالى أو بكفايتهم وأصلُ التحريضِ الحَرَضُ وهو أن ينهكه المرضُ حتى يُشفيَ على الموت وقال الراغب: كأنه في الأصل إزالةُ الحَرَض وهو ما لا خير فيه ولا يعتد به قلت: فالأوجهُ حينئذ أن يُجعل الحرَضُ عبارةً عن ضعف القلب الذي هو من باب نَهْكِ المرض، وقيل: معنى تحريضِهم تسميتُهم حرضًا بأن يقال: إني أراك في هذا الأمر حَرَضًا أي محرّضًا فيه لتهييجه إلى الأقدام وقرئ حرِّص بالصاد المهملة وهو واضح.
{إِن يَكُن مّنكُمْ عِشْرُونَ صابرون يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ} وعدٌ كريمٌ منه تعالى بتغليب كلِّ جماعةٍ من المؤمنين على عشرة أمثالِهم بطريق الاستئنافِ بعد الأمر بتحريضهم، وقوله تعالى: {وَإِن يَكُنْ مّنكُمْ مّاْئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا} مع انفهام مضمونِه مما قبله لكون كل منهما عدةً بتأييد الواحدِ على العشرة لزيادة التقريرِ المفيدةِ لزيادة الاطمئنان على أنه قد يجري بين الجمعين القليلين ما لا يجري بين الجمعين الكثيرين مع أن التفاوتَ فيما بين كلَ من الجمعين القليلين والكثيرين على نسبة واحدة فبيّن أن ذلك لا يتفاوت في الصورتين وقوله تعالى: {مّنَ الذين كَفَرُواْ} بيانٌ للألف وهذا القيدُ معتبرٌ في المِائتين أيضًا وقد تُرك ذكرُه تعويلًا على ذكره هاهنا كما ترك قيدُ الصبر هاهنا مع كونه معتبرًا حتمًا ثقةً بذكره هناك {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} متعلق بيغلبوا أي بسبب أنهم قومُ جَهلةٌ بالله تعالى وباليوم الآخر لا يقاتلون احتسابًا وامتثالًا بأمر الله تعالى وإعلاءً لكلمته وابتغاءً لرضوانه كما يفعله المؤمنون وإنما يقاتلون للحمية الجاهليةِ واتّباعِ خطواتِ الشيطانِ وإثارةِ ثائرةِ البغي والعُدوانِ فلا يستحقون إلا القهرَ والخِذلانَ، وأما ما قيل من أن مَنْ لا يؤمن بالله واليوم الآخِر لا يؤمن بالميعاد فالسعادةُ عنده ليست إلا هذه الحياة الدنيوية فيشِحّ بها ولا يعرِّضها للزوال بمزاولة الحروبِ واقتحامِ مواردِ الخطوب فيميل إلى ما فيه السلامةُ فيفِر فيُغلب، وأما من اعتقد أن لا سعادةَ في هذه الحياة الفانية وإنما السعادةُ هي الحياةُ الباقيةُ فلا يبالي بهذه الحياةِ الدنيا ولا يقيم لها وزنًا فيُقدم على الجهاد بقلب قوي وعزمٍ صحيحٍ فيقوم الواحدُ من مثله مقامُ الكثير فكلامٌ حقٌّ لكنه لا يلائم المقام. اهـ.